السبت، 17 أكتوبر 2009

بلاد الرّافدين: الأطوار التّاريخيّة والتّنظيم السّياسي

المقدّمة: مثّلت بلاد الرّافدين بسهولها الخصبة إطارا طبيعيا مواتيا لإستقطاب شعوب عديدة هاجرت إليها فاختلطت وتلاقحت ثقافاتها فأفرزت حضارة متميّزة تُعدّ من أثرى الحضارات البشريّة وأعرقها. وشهدت خلال تاريخها الطّويل الممتدّ على نحو 3 آلاف سنة ثلاثة عهود كبرى.

1)      الأطوار التّاريخية الكبرى لبلاد الرّافدين وخصائصها:

إمتدّ التّاريخ الرّافدي القديم بين 3500 ق.م مع قيام المدن الدّويلات السّومريّة و 539 ق.م تاريخ الغزو الفارسي لبلاد الرّافدين.

‌أ)        عهد سومر وأكّاد (3500 ق.م - 2000 ق.م): وينقسم إلى ثلاثة أطوار :

§    فترة المدن الدّويلات السّومريّة (3500 ق.م - 2370 ق.م) نسبة إلى السومريين أقدم الشعوب التي سكنت البلاد وقد قدموا  إليها من هضاب إيران (شرقا) واستقروا في جنوب البلاد (سومر) وقد انقسمت خلالها بلاد الرافدين إلى مدن- دول تنافست فيما بينها. وأكتشفت أثناءها الكتابة المسمارية حوالي سنة 3200 ق.م.

§    فترة الدّولة الأكادية (2370 ق.م - 2220 ق.م) نسبة إلى الأكاديين وهم ساميون قدموا من شبه الجزيرة العربية واستقروا بالوسط. وقد توحّدت أثناء حكمهم بلاد الرافدين لأوّل مرّة عبر تاريخها وامتدّت إلى جزء كبير من آسيا الصّغرى لكنّ الحروب والثورات الداخلية استنزفت طاقاتها فسقطت على يد الكوتيين (من جبال الزاغروس شمالا).

§    فترة النّهضة السّومرية وقيام دولة سلالة أور الثّالثة (2200 ق.م - 2003 ق.م) وقد توحّدت خلالها بلاد الرافدين من جديد تحت قيادة مدينة أور سنة 2110 ق.م قبل أن تنهار (سنة 2003 ق.م) ويعود الإنقسام السياسي.

‌ب)     العهد البابلي القديم (2000 ق.م - 1162 ق.م): وينقسم بدوره إلى ثلاثة أطوار:

§        فترة الممالك العمورية (2000 ق.م - 1792 ق.م) نسبة إلى العموريين وهم قبائل سامية من بادية الشام استغلت إنهيار إمبراطورية أور لإنشاء مجموعة من الممالك المتناحرة مثل إيسين ولارصا.

§    فترة الدولة البابلية الحمورابيّة (1792 ق.م - 1595 ق.م) وقد أسّسها الملك حمورابي (1792 ق.م - 1750 ق.م) الذّي أعاد توحيد بلاد الرافدين بفضل إنتصاراته العسكريّة وتميّزت فترة حكمه بصدورة شريعة تنظّم المجتمع. والبابليون ساميون قدموا من بادية الشام واستوعبوا الحضارة السومارية وتبنّوا اللغة الأكادية.

§        فترة الدولة البابلية الكاشية (1595 ق.م - 1162 ق.م)

‌ج)     العهد الآشوري والبابلي الحديث (1162 ق.م - 539 ق.م) وينقسم إلى ثلاثة أطوار:

§        فترة هيمنة القبائل الآراميّة (القرنين XI و Xق.م)

§    قيام الإمبراطورية الآشورية الحديثة ( القرن IX ق.م - 612 ق.م) نسبة إلى الآشوريين وهم ساميون إستقروا بشمال البلاد. وقد بلغت الإمبراطوية أقصى إتساعها في عهد أسرحدون (680 ق.م - 669 ق.م) فامتدّت على آسيا الصغرى وسواحل بحر إيجه ومصر وبحر الخليج وفلسطين وعيلام وبلاد أرمينية بفضل جهاز حربي ضخم. ومن أعظم ملوكهم آشور بانيبال الذّي اشتهر بمكتبته التّي تضمّ 2200 لوح طيني في نينوى.

§    قيام الدولة البابلية الكلدانية (609 ق.م - 539 ق.م) ومن أبرز إنجازاتها القضاء على الدولة الآشورية سنة 612 ق.م والسيطرة على المدن السومرية والأكادية والسيطرة على سورية وفلسطين في عهد نبوخذ نصر الثاني (605 ق.م - 562 ق.م) بفضل جيش محكم التنظيم.

وإلى جانب التوسّع العسكري، إهتمّ ملوك بلاد الرافدين بإحكام تنظيم الدّولة.

2)   خصائص التنظيم السياسي في بلاد الرافدين:  تميّزت الحضارة الرافدية بظاهرة التمدّن. ففي العهد السومري كانت كلّ مدينة تمثّل مركزا سياسيا مستقلاّ بذاته ولها مجال زراعي تعتمد عليه وإله رسمي تتسمّى باسمه:

 

المدينة اسنمها الأصلي معناه
نيبور آين-ليل-كي مقرّ الإله آنليل (إله الفضاء بالسومرية)
إيسين أي-سن بيت الإله سن (إله القمر سيّد الزّمن بالأكّادية)
آشور أي-شور بيت الإله شور إله الكون بالأكادية)
بابل باب-إيل(أو إيلو) باب الإله آل (أو إيلو)

وانتظمت هذه المدن في شكل عواصم حضريّة مثل لجش أور. ويُعرف هذا النظام السياسي بنظام المدينة - الدّولة.

ومنذ أواسط الألف الثالثة ق.م ظهرت بالمدن السومرية سلالات حاكمة مارست السلطة السياسية بالاعتماد على الدّين وعلى الجيش (نظام تيوقراطي - عسكري). فالملك يعتبر نفسه أثير (ظلّ) الآلهة وممثّلها على الأرض. ويستمدّ أفعاله من مشيئتها وإرادتها. وقد تلقّب ملوك بلاد الرافدين بألقاب عديدة من بينها "اللّوقال" في عهد المدن الدويلات السومرية ولقب "ملك الجهات الأربعة" في عهد ملوك السلالة الأكادية وسلالة أور الثالثة.

وفي عهد الدولة الأكادية تحوّل النظام السياسي إلى نظام مركزي لأوّل مرّة في التاريخ الرافدي.

الخاتمة: إزدهرت الحضارة الرافدية بفضل الإستقرار البشري الذّي تعود أولى مظاهره إلى القرى الزراعية مثل قرية تل حلف في الشمال (حوالي سنة 5500 ق.م). وبذلك تعتبر بلاد الرافدين مهدا لظهور الزراعة التي ارتبطت بمياه دجلة والفرات.

لتحميل الدّرس في صيغة بي دي أف يرجى الضّغط هناreader_icon_special

 

حضارات الشّرق والعالم المتوسّطي في العصر القديم: تقديم عام

توطئة: تمكّن دراسة الحضارات القديمة من الوقوف على إسهاماتها الجليلة في حضارتنا المعاصرة، وتعكس التّواصل والتّفاعل بين الحضارات، وبغير ذلك لا يمكن فهم حاضرنا واستشراف مستقبلنا.

والحقيقة أنّنا مدينون للحضارات القديمة بما نحن عليه من تقدّم في شتّى المجالات الفكريّة والعلميّة والإقتصاديّة والسّياسيّة... فمنها أخذنا الزّراعة والكتابة والعمارة والدّيانة والحكمة والطبّ والقانون والفلك والحساب...

فقيم الحريّة والعدالة والتّسامح والدّيمقراطيّة التّي تقوم عليها حضارتنا المعاصرة، تستمدّ مرجعيتها من الرّصيد الإنساني الحافل للعصر الأنوار والنّهضة الأوروبيّة الحديثة... هذه النّهضة التّي عادت بدورها لتستلهم من الحضارات القديمة معاني الإنسانيّة وسيادة العقل والحكمة والقانون.

Orient

المقدّمة: يمثّل الشّرق القديم والحوض المتوسّطي مهد الحضارات الأولى بفضل ما توفّر لهذه المنطقة من ظروف ملائمة. فما هي الخصوصيات المجالية لهذه الحضارات وما هي أهمّ أطوارها التّاريخية وأبرز مميّزاتها الحضاريّة؟

1)      المجال الجغرافي والإطار التّاريخي لحضارات الشّرق القديم:

ظهرت الحضارات الأولى قرب ضفاف الأنهار في مناطق تميّزت بظروف طبيعيّة ملائمة لتكوين مجتمعات مستقرّة ومنظّمة. فنعتت بالحضارات المائية.

وقد توفّرت هذه الظّروف في منطقة الهلال الخصيب (من بلاد الرافدين: دجلة والفرات إلى وادي النّيل) حيث نشأت الحواضر (المدن) واكتشفت الزّراعة والكتابة وصناعة المعادن.

وبلاد الرّافدين أو بلاد ما بين النّهرين Mésopotamos كما سمّاها الإغريق القدامى هي الرّواق الخصب الذّي يمتدّ بين جبال الزّاغروس شرقا وبادية الشّام غربا والذّي يعبره نهرا دجلة (ادقلات) Tigré والفرات (بوراطو) Euphrates. وبحكم موقعها كانت مسرحا لزحف شعوب هندية-أووربية وساميّة تلاقحت ثقافاتها فأفرزت حضارة لامعة من ثلاثة عهود كبرى: السومري، البابلي القديم والآشوري. وفيها ظهرت الكتابة المسمارية وأولى التشاريع (قانون حمورابي) فشكّلت بذلك أولى محاولات تنظيم المجتمعات البشرية.

أمّا مصر فهي بلاد قاحلة لكنّ مرور نهر النّيل وفيضانه سمحا بظهور الحضارة فيها باكرا. وعلى خلاف بلاد الرافدين، كانت مصر منغلقة على نفسها تعزلها الصحاري والجبال من كلّ الجهات، فكان تاريخها أكثر استقرارا رغم تعاقب ثلاثة أطوار من العهود الإمبراطورية (القديمة والوسطى والحديثة). وتميّزت هذه الحضارة باعتقاد المصريين القدامى بالبعث والحساب والخلود بعد الموت وتجسّم ذلك من خلال تحنيط الموتى (المومياء) وبناء المعالم الجنائزية الضخة (الأهرام).

وساعدت الظروف الجغرافية (الموقع الساحلي، ضيق الأراضي الزراعية ...) فينيقيا على التوجه نحو البحر فتكونت حضارة ملاحية بامتياز من ثلاثة مراحل كبرى : مرحلة بناء المصارف، مرحلة تأسيس المستوطنات التي غطت الجزء الأكبر من المتوسط ومرحلة الخضوع للهيمنة الأجنبية. وقد تمّ اختراع الأبجدية في جبيل أواخر الألف الثانية قبل الميلاد

وتميّزت فلسطين بموقعها الهام لذلك كانت ممرّا للشّعوب وهدفا للغزاة.  

 Temps 1

Temps 2

2)      المجال الجغرافي والإطار الزّمني لحضارات العالم المتوسّطي:

تتشكّل حضارات العالم المتوسّطي من بلاد الإغريق وقرطاج وروما.

تقع بلاد اليونان شمال شرقي المتوسّط، وهي بلد جبلي دفع بسكّانه إلى البحر. فعلى غرار الفينيقيين أسّس الإغريق المستوطنات وساهموا في نشر الحضارة الشرقية على ضفاف المتوسط. ومرّت اليونان القديمة بأربعة أطوار كبرى: الحضارات الإيجيّة الأولى ثمّ الفترة الهوميرية (القرون المظلمة) التّي مهّدت للعصر الإغريقي الكلاسيكي حيث بلغت الحضارة اليونانية أوج إزدهارها.

أمّا قرطاج فهي وريثة فينيقيا. وقد شمل مجال نفوذها السياسي الجزء الأكبر من غرب المتوسّط بينما إمتدّت علاقاتها التّجارية إلى كامل حوضي البحر الأبيض المتوسط. وقد مرّ تاريخها بثلاثة أطوار كبرى: في الفترة العتيقة ظلّت قرطاج منذ تأسيسها حوالي سنة 814 ق.م مستوطنة فينيقيّة تابعة لصور(Tyr) أمّا في الفترة الكلاسيكية فقد عرفت قرطاج أوج قوّتها، بينما تميّزت المرحلة الأخيرة بحروبها مع روما وملاحم حنّبعل العسكريّة التّي انتهت بسقوطها سنة 146 ق.م

وحملت الإمبراطوريّة الرّومانية بدورها الإرث الإغريقي والشّرقي إلى كامل ضفاف المتوسّط الذّي تحوّل إلى بحيرة رومانية. ومرّت الحضارة الرومانية بثلاثة أطوار أساسية: العهد الملكي الذّي انطلق بتأسيس روما سنة 753 ق.م، العهد الجمهوري الذّي امتدّ من 475 ق.م إلى 27 ق.م والعهد الإمبراطوري الذّي استغرق حوالي خمسة قرون (27 ق.م - 476 م) امتدّ خلالها تأثير الحضارة الرومانية إلى كامل حوض المتوسّط. ومن أهمّ مميّزاتها الحضاريّة الإزدهار العمراني والمعماري وتطوير التشريع والقانون.Orient2

لتحميل الدّرس في صيغة بي دي أف يُرجى الضّغط هنا reader_icon_special